الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَمَنْ وَعَدَ آخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالاً مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ بِأَنْ يُعَيِّنَهُ فِي عَمَلٍ مَا حَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ الأَفْضَلُ لَوْ وَفَّى بِهِ. وَسَوَاءٌ أَدْخَلَهُ بِذَلِكَ فِي نَفَقَةٍ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ كَمَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ فُلاَنَةَ وَأَنَا أُعِينُك فِي صَدَاقِهَا بِكَذَا وَكَذَا، أَوْ نَحْوِ هَذَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يُدْخِلَهُ بِوَعْدِهِ ذَلِكَ فِي كُلْفَةٍ، فَيَلْزَمُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ الْوَعْدُ كُلُّهُ لاَزِمٌ، وَيَقْضِي بِهِ عَلَى الْوَاعِدِ وَيُجْبَرُ. فأما تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَلاَ وَجْهَ لَهُ، وَلاَ بُرْهَانَ يُعَضِّدُهُ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ. فَإِنْ قَالُوا قَدْ أَضَرَّ بِهِ إذْ كَلَّفَهُ مِنْ أَجْلِ وَعْدِهِ عَمَلاً وَنَفَقَةً قلنا: فَهَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَى مِنْ أَضَرَّ بِآخَرَ، وَظَلَمَهُ وَغَرَّهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مَالاً مَا عَلِمْنَا هَذَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَلاَ تَعِدْ أَخَاكَ وَعْدًا فَتُخْلِفْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ: تَعَالَ هَاهْ لَكَ، ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَهِيَ كِذْبَةٌ. ابْنُ شِهَابٍ كَانَ إذْ مَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ابْنَ أَقَلَّ مِنْ تِسْعِ سِنِينَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ كَلِمَةٌ. وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَرَوْنَ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَا ذَكَرْنَا فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقْضُوا بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ عَلَى الْوَاعِدِ، وَلاَ بُدَّ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ، فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ لَقُلْنَا بِهَا. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ صَدَّرْنَا بِهِمَا فَصَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِمَا عَلَيْنَا ; لأََنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا ; لأََنَّ مَنْ وَعَدَ بِمَا لاَ يَحِلُّ، أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًى، أَوْ بِخَمْرٍ، أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ، أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ: مَذْمُومًا، وَلاَ مَلُومًا، وَلاَ عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَكُونُ فَرْضًا مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ، إِلاَّ عَلَى مَنْ وَعَدَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، كَإِنْصَافٍ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ أَدَاءِ حَقٍّ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ وَعَدَ وَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وَعْدٍ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ وَعْدٍ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَا نَذْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّذْرُ فَرْضٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
|